بسم الله الرحمن الرحيم
هذا هو منطق إخوة يوسف حينما بيتوا جريمتهم في التخلص من يوسف – عليه السلام – وجاءوا أباهم متظاهرين بالبكاء على المصيبة التي حلت به وبهم : {قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ }يوسف17
أكله الذئب ، حجة محتملة يمكن أن تقنع الأب المكلوم ، وما اكتفوا بذلك بل ذهبوا يثبتون صدقهم باتهامهم لأبيهم بأنه لن يصدقهم وأنهم صادقون مخلصون .. ثم جاؤا بالأدلة والحجج والبراهين المادية ((وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ)) لكي يجعلوا أباهم في حيرة من امره لا يدري أيصدق أم يكذب فالمصيبة عظيمة والحجج واهية والمتهمون أبناءه والضحية أخاهم فما عساه أن يقول ((قال بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )) .
قصة تحكي وجود فئة من الناس ، تضحي بأقرب قريب وتخون أعز عزيز في سبيل المصالح الدنيوية الشخصية والمكانة والجاه (( يخلوا لكم وجه أبيكم )) ومع ذلك تتظاهر بالإصلاح والصدق والأمانة وعلى استعداد تام لتقديم نفسها للمساءلة فيما لو طلبوا لذلك . . ولديهم البراهين والأدلة الملفقة .. إنهم إخوة يوسف . أبناء البلد اللذين خانوا أباهم اللذي اءتمنهم واعتدوا على أخيهم .
ولا نقول إلا ما قاله نبي الله –عليه السلام – {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }يوسف86 .
ولكن الشجن والحزن لا يغني شيئا ولا يكفي بل لابد من محاسبة المعتدي والتحقيق مع المتهم والبحث عن الحقوق كما فعل يعقوب عليه السلام ((يا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ ))
البحث والتحسس ليس عن الذئب ولا عن القميص بل عن يوسف . الذئب تلك المسميات الكبرى للمشاريع الوهمية العملاقة التي أكلت المليارات فهو وهم وكذب ، والقميص تلك الوثائق والعقود التي استلموا بموجبها المستحقات المالية . ولكن البحث عن يوسف عن الأموال التي صرفت واستلمت وفقدت .
نعم يمكن البحث عنها وإيجادها بإقامة الدعاوي وتوكيل المحامين وتقديم المتهمين للمحاكمة والقضاء والاستعانة بالله والتوكل عليه في ذلك وعدم الالتفات إلى تخذيل إخوة يوسف {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ }يوسف85 .
إن رد المظالم إلى أهلها وحفظ حقوق الناس وحفظ المال العام ومحاربة الظلم والفساد في المجتمع من أولويات مقاصد الشريعة ، وأهل العلم والدعاة والمصلحون من أولى من يجب أن يتصدى لذلك .
كما وإن إغاثة المنكوبين والوقوف بجانبهم والتطوع لخدمتهم وتخفيف المعاناة عنهم هو من أولى ما ينبغي أن تبادر له الجمعيات الخيرية في البلد ليس بالطعام والكساء فحسب بل بتحمل تكاليف المحاماة ، وتحمل تكاليف السكن والنقل ولا يترك المظلومون حيارى بين هول مصيبتهم وبين السعي في توفير مصالحهم وملاحقة حقوقهم .
وليست الكارثة على جدة وحدها بل إنها تتكرر في أكثر من جدة وأكثر من بلد وفي كلها جميعا \" أكلها الذئب \"
اللهم ألطف بعبادك المؤمنين ، وعليك بالظالمين المعتدين ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
************************************************** *********
دمتم على خير