بسم الله الرحمن الرحيم
تأملت حديثاً للرسول صلى الله عليه وسلم ثم رأيت حال الناس ( إلا من رحم ربي ) ، وإذا بهم يقع فيهم ما كان يخشى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو البأس الشديد ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية . حتى إذا مر بمسجد بني معاوية ، دخل فركع فيه ركعتين . وصلينا معه . ودعا ربه طويلا . ثم انصرف إلينا . فقال صلى الله عليه وسلم : " سألت ربي ثلاثا . فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة . سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها . وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها . وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " . وفي رواية : أنه أقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه . فمر بمسجد بني معاوية . رواه مسلم .
البأس الشديد صفة من صفات اليهود كما قال الله تعالى عنهم : ( لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ) ، قوله تعالى : بأسهم بينهم شديد يعني عداوة بعضهم لبعض . وقال مجاهد : بأسهم بينهم شديد أي بالكلام والوعيد لنفعلن كذا . وقال السدي : المراد اختلاف قلوبهم حتى لا يتفقوا على أمر واحد . وقيل : بأسهم بينهم شديد أي إذا لم يلقوا عدوا نسبوا أنفسهم إلى الشدة والبأس ، ولكن إذا لقوا العدو انهزموا .
إن المتأمل في واقع حياتنا اليوم يرى مظاهر البأس الشديد تتجلى في صور شتى تذكر ونختصر منها :
* في تعاملاتنا لا يكاد يعذر بعضنا بعضاً نفسر الأمور ونطعن في النوايا ، نقلب المزح جداً والجد مزحاً ، نتضايق من أتفه الأمور ، ونتألم من أصغر المصائب ، نتحاشا بعضناً ولا نطيق أنفسنا ، نقرب البعيد ونبعد القريب .
* في الشوارع نسير بسياراتنا وكأن الطريق لنا فلا إحترام ولا أفضلية نتسابق لنكون بالقرب من الإشارة ، نعكس الشارع ونغلق المسار وأنين منبه السيارة يسبق الإشارة الخضراء ، سرعة جنونية وقيادة زئبقية .
* في المساجد نتصادم ، هذا يريد المكيف وهذا لا يريده ، وهذا ينظر في الساعة وذاك يرمق المؤذن ، بكرت ، تأخرت ، والإمام طولت ، قصرت .
* في حياتنا اليومية نسير بلا نظام ، فوضى عارمة في المطاعم والمخابز والمطارات والبنوك الكل يريد أن يكون الأول .
* في معاملاتنا التجارية ينهب بعضنا بعضاً ، التاجر لا يرحم ، ينهب ما في جيب الفقير ولا يرضى بالربح القليل ، الكل يشتكي من إرتفاع الأسعار ، فهي في إرتفاع بلا نزول في ظاهرة غريبة لا تحدث إلا عندنا .
* في عقاراتنا لم يكتب التاريخ يوماً أن مالك عقار طرق عليك باب الدار مبشراً أن الأجار في إنخفاض ، إذا زادت بشرك وإذا انخفضت صدمك : أدفع أو غادر .
هذه بعض من مظاهر البأس الشديد وغيرها كثير ، غلاء المهور ، أسعار الأراضي ، أسعار الفل والشقق كلها مصائب إبتلينا بها من عند أنفسنا يوم زاد إهتمامنا بالدنيا ، وقل إهتمامنا بالآخرة ، تنافسنا في الدنيا ولم نتنافس للآخرة فورثنا الغل والحسد والكراهية والأنانية والله المستعان .
قال الله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ " .