إبراهيم الجميعة – مجلة الفيصل العدد 383
تميزت الطرز المعمارية للبناء في المناطق التي تقع على مجرى وادي حنيفة ( الممتد على مسافة 200 كم من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي والذي تقع مدينة الرياض في منتصف المسافة منه ) باستخدام المواد المتوافرة في البيئة ، كما أن نوعية البناء كانت تتماشى مع متطلبات الطقس والمناخ التي تعيشها المنطقة من حيث الحرارة والبرودة صيفاً وشتاءً ..
لذا فإن مادة البناء الأساسية كانت اللبن المصنوع من الطين الذي كان يجلب من الأودية والمتوافر بكميات كبيرة ، وأساسات البناء من الحجر المقطوع من المنطقة نفسها ، وقد ساعد هذا النمط المعماري على تلطيف الجو خلال فصل الصيف ، وسرعة التدفئة في الشتاء ، لكون المواد الطينية المستخدمة تتميز بهذه الخواص .
كانت لي زيارات سابقة لبعض مناطق الوسطى منذ نحو ثماني سنوات ، وكانت المباني بحالة مقبولة نوعا ما وجيدة أحياناً ، إلا أن زيارتي الأخيرة هذه السنة رأيت فيها ما يحز في النفس من اندثار عدد من هذه الأبنية ، لتنحصر بذلك محاولة توثيقها ودراستها فيما تبقى منها ، وقد رأى فرانك لوبد رايت في كتابه المنشور عام 1941 م والمعنون Wright On Aartchitecture أن أي دراسة حقيقية للفن المعماري مازالت تعتمد على دراسة العمارة الشعبية في المناطق المختلفة من العالم ، لذا كان اعتمادي في هذا الاستطلاع على صور بعض هذه المباني لنعرف النمط المعماري المتبع في مناطق وادي حنيفة ، متخذين مدينة عرقة نموذجاً ، مع أن غالبية منازلها الطينية -للأسف- أصبحت مهدمة أو في طريقها إلى الزوال بسبب هجرها والعوامل الطبيعية التي تمر بها .
اتصلت عرقة حديثاً بمدينة الرياض بعد اتساع نطاق العاصمة ، وهي تقع على وادي حنيفة شمال الرياض وجنوب محافظة الدرعية بنحو 20 كم ، وهي من قرى اليمامة التي لم تدخل في صلح خالد بن الوليد يوم مسيلمة ، سكنها بنو عدي بن حنيفة وكانت مسرحاً لحرب دارت بين جيش الأمير عبد العزيز بم نحمد بن سعود وابني دهام بن دواس عام 11185 هـ .
يطلق عليها عَوْقَة وحرفت الكلمة إلى عَرِقَة أو عرفت فيما بعد بـ عِرْقة .
كانت في عهد الملك عبد العزيز محصورة في أحياء الظهيرة والصنع والقلعة ، وامتدت بعد الاستقرار الأمني لتشمل عددًا من المزارع والمباني المترامية بحسب تنامي السكان آنذاك .
كانت محاطة بأبراج مراقبة تسمى مربعة ، والمرابيع فيها ثمان : مربعة القلعة ، ومربعة العبيدية ، ومربعة المويسلية ، ومربعة الظهيرة ، ومربعة الغريب ، ومربعة المضيجر ، ومربعة أم قصيبة ، ومربعة المسعودية .
أما أسوارها التي تحيط بها فكان لها أربعة أبواب ، يسمى كل منها دروازة وجميعها اندثرت مع مرور الزمن وعدم الحاجة إليها :
- من الشمال دروازة ابن ثنيان .
- من الجنوب دروازة المقصورة .
- من الشرق دروازة الإمام تركي .
- من الغرب دروازة الشعيب .
إن العناصر المعمارية التي اتّبعت في بناء دور السكن غلب طابع النفع فيها على طابع الجمال ، إلا أنها تبين المشاعر والأحاسيس التي كانت تسود قاطنيها ، وتوضح ملامح الطباع والتقاليد ، وتعد سجلاً شاهدًا على مدينة الشعوب ونهضتها ومدى حاجتها إلى هذا النمط المعماري بحسب ازدهارها وأمنها ، ولعلنا هنا من خلال وصفنا لعناصر البيت الطيني نستشف حاجة الساكن إلى هذا النوع من البناء .